فصل: قال البيضاوي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ} نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله: {رب} مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله: {إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى} أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبًا له فهو بعض أهله: {وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق} وإن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به، وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي: {وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين} أي أعلم الحكام وأعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل.
ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة، ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر: {قَالَ يَا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشيًا وكنت قرشيًا لصيقك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحمًا فهو أبعد بعيد منك، وجعلت ذاته عملًا غير صالح مبالغة في ذمه كقولها:
فإنما هي إقبال وإدبار

أو التقدير: إنه ذو عمل، وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله، وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته.
{عمِل غير صالح} علي قال الشيخ أبو منصور رحمه الله: كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلا لا يحتمل أن يقول: {ابني من أهلي} ويسأله نجاته، وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله: {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه، وقوله: {ليس من أهلك} أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر: {فَلاَ تَسْأَلْنى} اجتزاء بالكسر عن الياء: كوفي: {تسألْني} بصري: {تسألّني} مدني: {تسألَن} ِّ شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التأكيد: {تسألن} َّ مكي: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} بجواز مسألته: {إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} هو كما نهى رسولنا بقوله: {فلا تكونن من الجاهلين} [الأنعام: 35] {قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ} أي من أن أطلب منك من المستقبل ما لا علم لي بصحته تأدبًا بأدبك واتعاظًا بموعظتك: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى} ما فرط مني: {وَتَرْحَمْنِى} بالعصمة عن العود إلى مثله: {أَكُن مّنَ الخاسرين قِيلَ يا نوح اهبط بسلام مّنَّا} بتحية منا أو بسلامة من الغرق: {وبركات عَلَيْكَ} هي الخيرات النامية وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه، فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين في القرون الباقية من نسله: {وعلى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ} {من} للبيان، فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم لأن الأمم تتشعب منهم، أو لابتداء الغاية أي على أمم ناشئة ممن معك وهي الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه: {وَأُمَمٌ} رفع بالابتداء: {سَنُمَتّعُهُمْ} في الدنيا بالسعة في الرزق والخفض في العيش صفة والخبر محذوف تقديره، وممن معك أمم سنمتعهم، وإنما حذف لأن ممن معك يدل عليه: {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الآخرة، والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤون ممن معك.
وممن معك أمم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار وكان نوح عليه السلام أبا الأنبياء، والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة، وعن محمد بن كعب: دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إِلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر.
{تِلْكَ} إشارة إلى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع على الابتداء والجمل بعدها وهي: {مِنْ أَنْبَاء الغيب نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ} أخبار أي تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة إليك مجهولة عندك وعند قومك: {مّن قَبْلِ هذا} الوقت أو من قبل إيحائي إليك وإخبارك بها: {فاصبر} على تبليغ الرسالة وأذى قومك كما صبر نوح، وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح وقومه: {إِنَّ العاقبة} في الفوز والنصر والغلبة: {لّلْمُتَّقِينَ} عن الشرك.
{وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ} واحدًا منهم، وانتصابه للعطف على: {أرسلنا نوحًا} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم: {هُودًا} عطف بيان: {قَالَ يَا قَوْم اعبدوا الله} وحدوه: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} بالرفع: نافع صفة على محل الجار والمجرور، وبالجر: عليّ على اللفظ: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء: {ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} ما من رسول إلا واجه قومه بهذا القول لأن شأنهم النصيحة والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع، وما دام يتوهم شيء منها لم تنجع ولم تنفع: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجرًا إلا من الله وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك.
{ويَا قَوْمِ استغفروا رَبَّكُمْ} آمنوا به: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} من عبادة غيره: {يُرْسِلِ السماء} أي المطر: {عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} حال أي كثير الدرر: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} إنما قصد استمالتهم إلى الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين فكانوا أحوج شيء إلى الماء.
وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة البطش والقوة.
وقيل: أراد القوة بالمال أو على النكاح.
وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم فوعدهم هود عليه السلام المطر والأولاد على الإيمان والاستغفار.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه وفد على معاوية، فلما خرج قال له بعض حجابه: إني رجل ذو مال ولا يولد لي علمني شيئًا لعل الله يرزقني ولدا.
فقال الحسن: عليك بالاستغفار، فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة، فولد له عشرة بنين، فبلغ ذلك معاوية فقال: هلا سألته مم قال ذلك؟ فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل فقال: ألم تسمع قول هود: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} وقول نوح: {ويمددكم بأموال وبنين} [نوح: 12]: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} ولا تعرضوا عني وعما أدعو إليه: {مُّجْرِمِينَ} مصرين على إجرامكم وآثامكم.
{قَالُواْ يَا هُودٍ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} [الرعد: 27] مع فوت آياته الحصر: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ} هو حال من من الضمير في: {تاركي آلهتنا} كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه أقناطًا له من الإجابة: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} {إن} حرف نفي فنفى جميع القول إلا قولًا واحدًا وهو قولهم: {اعتراك} أصابك: {بعض آلهتنا بسوء} بجنون وخبل وتقدير ما نقول قولًا إل هذه المقالة أي قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء: {قَالَ إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ} أي من إشراككم آلهة من دونه، والمعنى إني أشهد الله أني برئ مما تشركون واشهدوا أنتم أيضًا إني برئ من ذلك.
وجئ به على لفظ الأمر بالشهادة كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينه وبينه: أشهد على أني لا أحبك تهكما به واستهانة بحاله: {فَكِيدُونِى جَمِيعًا} أنتم وآلهتكم: {ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} لا تمهلون فإني لا أبالي بكم وبكيدكم ولا أخاف معرتكم وإن تعاونتم علي، وكيف تضرني آلهتكم وما هي إلا جماد لا يضر ولا ينفع؟ وكيف تنتقم مني إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبلني وتذهب بعقلي؟: {إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي مالكها، ولما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم، وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، ومن كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية تمثيل لذلك: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} إن ربي على الحق لا يعدل عنه، أو إن ربي يدل على صراط مستقيم: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} هو في موضع فقد ثبتت الحجة عليكم: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} كلام مستأنف أي ويهلككم الله ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ} بتوليكم: {شَيْئًا} من ضرر قط إذ لا يجوز علي المضار وإنما تضرون أنفسكم: {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} رقيب عليه مهيمن فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم، أو من كان رقيبًا على الأشياء كلها حافظًا لها وكانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار لم يضر مثله مثلكم.
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} وكانوا أربعة آلاف: {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} أي بفضل منا لا بعملهم أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وتكرار: {نجينا} للتأكيد أو الثانية من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه: {تِلْكَ عَادٌ} إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف وصف أحوالهم فقال: {جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله لا نفرق بين أحد من رسله: {واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل لأنهم الذين يجبرون الناس على الأمور ويعاندون ربهم ومعنى اتباع أمرهم طاعتهم: {وَأُتْبِعُواْ في هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة} لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين: {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ} تكرار {ألا} مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم تهويل لأمرهم وبعث على الاعتبار، بهم والحذر من مثل حالهم، والدعاء ب: {بعدا} ً بعد هلاكهم وهو دعاء بالهلاك للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له: {قَوْمِ هُودٍ} عطف بيان: {لعاد} وفيه فائدة لأن عادا عادان: الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى إرم. اهـ.

.قال البيضاوي في الآيات السابقة:

{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ}
وأراد نداءه بدليل عطف قوله: {فَقَالَ رَبّ إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى} فإنه النداء: {وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق} وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف، وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله، أو فما له لم ينج، ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه: {وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين} لأنك أعلمهم وأعدلهم، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع.
{قَالَ يَا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} لقطع الولاية بين المؤمن والكافر وأشار إليه بقوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} فإنه تعليل لنفي كونه من أهله، وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة:
ترتع مَا رتعت حَتى إِذَا ادْكَّرَت ** فإِنَّمَا هي إقبالٌ وإِدْبَارٌ

ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحًا بالمناقضة بين وصفيهما وانتفاء ما أوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه. وقرأ الكسائي ويعقوب: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} أي عمل عملًا غير صالح: {فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك، وإنما سمي نداءه سؤالًا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده أو استفسار المانع للانجاز في حقه، وإنما سماه جهلًا وزجر عنه بقوله: {إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال وأغناه عن السؤال، لكن أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر. وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء، ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع برواية رويس إثباتها في الوصل.
{قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ} فيما يستقبل: {مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ} ما لا علم لي بصحته: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى} وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال: {وَتَرْحَمْنِى} بالتوبة والتفضل علي: {أَكُن مّنَ الخاسرين} أعمالًا.
{قِيلَ يا نوح اهبط بسلام مّنَّا} انزل من السفينة مسلمًا من المكاره من جهتنا أو مسلمًا عليك: {وبركات عَلَيْكَ} ومباركًا عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدمًا ثانيًا. وقرئ: {اهبط} بالضم وبركة على التوحيد وهو الخير النامي: {وعلى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ} وعلى أمم هم الذين معك، سموا أممًا لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم، أو وعلى أمم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله: {وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ} أي وممن معك سنمتعهم في الدنيا: {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه. وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب، والعذاب ما نزل بهم.
{تِلْكَ} إشارة إلى قصة نوح ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها: {مِنْ أَنبَاء الغيب} أي بعضها: {نُوحِيهَا إِلَيْكَ} خبر ثان والضمير لها أي موحاة إليك، أو حال من ال: {أَنْبَاء} أو هو الخبر و: {مِنْ أَنْبَاء} متعلق به أو حال من الهاء في: {نُوحِيهَا}، {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا} خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك، أو حال من الهاء في نوحيها أو الكاف في: {إِلَيْكَ} أي: جاهلًا أنت وقومك بها، وفي ذكرهم تنبيه على أنه لم يتعلمها إذ لم يخالط غيرهم وأنهم مع كثرتهم لما لم يسمعوها فكيف بواحد منهم: {فاصبر} على مشاق الرسالة وأذية القوم كما صبر نوح: {إِنَّ العاقبة} في الدنيا بالظفر وفي الآخرة بالفوز: {لّلْمُتَّقِينَ} عن الشرك والمعاصي.
{وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} عطف على قوله: {نُوحًا إلى قَوْمِهِ} و: {هُودًا} عطف بيان: {قَالَ يَا قَوْمِ اعبدوا الله} وحده: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} وقرئ بالجر حملًا على المجرور وحده: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.
{ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} خاطب كل رسول به قومه إزاحة للتهمة وتمحيضًا للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ.
{وَيَا قَوْمِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} اطلبوا مغفرة الله بالإِيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضًا التبري من الغير إنما يكون بعد الإِيمان بالله والرغبة فيما عنده: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} كثير الدر: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} ويضاعف قوتكم، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وعمارات. وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإِيمان والتوبة بكثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه: {مُّجْرِمِينَ} مصرين على إجرامكم.